ألم تقل لك مصر أنك "خربتها"؟



مصر العربية

يطل علينا بوجه لامع من فرط العرق، مرتبك غير واثق في نفسه كالعادة، ويقول برومانسية بالغة "الأفورة" بعد أن يمصص شفتيه عدة مرات "أنا عايز الأولاد دول يطلعوا قدام" ثم يضحك ضحكًا هيستيريًا غير مبرر. أو ربما يضحك لأن الأولاد تُطاردهم قوات الأمن في الشوارع بعد اعتراضهم على فشل المنظومة التعليمية وتسريب الإمتحانات، أو خطرت بباله صورة الولد الذي لم يكمل من عمره 17 عامًا والذي كانت تطارده قوات الأمن كأنه وضع اصبعه في مؤخرة أحدهم، مع أنه لم يطالب سوى بعدم إلغاء امتحانات الثانوية العاملة أو تأجيلها، وبإقالة وزير التربية والتعليم الذي فشل في منع تسريب الإمتحانات وفشل في أن يعرف الفرق بين "الذين" و "الزين".

ربما ضحك بشكل هيستيري لانه قرأ تقريرًا نشرته صحيفة التايمز البريطانية في فبراير الماضي عن مقابلة أجرتها منظمة "ريبريف" مع الطالب الإيرلندي، إبراهيم حلاوة، الذي اعتقل في 2013، يصف فيها "ظروف سجن وادي النطرون وصنوف العذاب التي يتعرض لها المعارضون للنظام"، فقد صرح ابراهيم حينها أنه تعرض مع مساجين آخرين إلى الضرب والتعذيب باستمرار، وأنهم اضطروا إلى أكل الدود للحصول على البروتينات"؛ وأضاف أنه جرد من ملابسه تمامًا، وتعرّض للاعتداء الجنسي، والضرب بالسلاسل الحديدية.

وربما ضحك عندما علم بتقرير حملة "الحرية للأطفال" الذي يفيد بأن هنالك نحو ٤٧٨ طفلًا محتجزًا على ذمة قضايا سياسية، أو اطلع على تقرير منظمة التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، الذي يفيد بأن أكثر من 3200 طفلًا داخل مراكز الاحتجاز المختلفة على مستوى الجمهورية منهم 193 طفلًا حوكموا عسكريًا، وأن هناك 78 حالة اعتداء جنسي مورست ضدهم، كما رصد التقرير وفاة 10 أطفال داخل السجون وأماكن الاحتجاز، طبقًا للتنسيقية.

ربما تسائل حينها وهو يضحك بشكل هيستيري"ايه اللي أنا بقوله ده؟ وأولاد ايه اللي يطلعوا قدام؟ محدش هيطلع لقدام طول ما أنا موجود".

***
بعد أن يضحك ضحكًا هيستريًا، يصفق الحضور تصفيقًا حادًا، علامَ يصفقون؟ لا يهم، المهم أن في كل مكان وزمان لن تجد ديكتاتورًا يبني عرشة إلا على نفاق هؤلاء الذين يصفقون على كل خراء وفساء يصدره الديكتاتور، انهم يدّعون أن خراء الحكام لحم طازج وفسائهم عطر ليس كمثله عطر.

***
بسهوكة شديدة، وتمثيل غير بارع، يدّعي الرئيس السيسي أنه قد حمل رسالة من مصر، إذًا فسيدنا موسى كليم الله، وسيدهم السيسي كليم مصر!

جائنا السيسي برسالة من مصر قائلًا: "أنا بقى مُحمّل برسالة مش من المصريين، ولا من أي حد، أنا مُحمّل برسالة من مصر، من المصر، من مصر، مصر بلدنا، قالت لي لازم تبلغ الرسالة دي لأهل مصر، شوفوا مصر بتقول لكم كلكم، أنا أمانة في رقبتكم، في رقبة مين؟ كل المصريين، مصر بتقول لكم اوعوا ابدا تختلفوا!

ربما كانت "مصر السيسي" تقصد في مسألة الإختلاف ألّا نختلف على السيسي نفسه، وأن نأكل بعضنا بعضًا في كل ما هو دونه.

ولا أدري كيف تجاهلت مصر وهي تحذره من مخاطر الاختلاف، أن تحذره من مخاطر أن يبيع تيران وصنافير للسعودية، وأن يقف أمام المحاكم من أجل أن يثبت أنهما سعوديتان.

كيف لم تخبره أن من يستحق السجن هو من خان الوطن، لا من قال أن تيران وصنافير مصريتان، وكيف لم تحدثه عن مالك عدلي، الذي دافع عن مصرية الجزر فكان مصيره السجن؟ كيف لم تخبره أن زيزو عبده الذي أضاع من عمره سنين عجاف في الهتاف من أجل العيش والحرية لا يستحق السجن، بل يستحق التكريم لو أن للعدل وجودًا.

ألم تحدثه مصر عن سناء سيف؟ التي خافت من السكوت عن الحق أكثر من خوفها من السجن؟، وعن شقيقها علاء الذي سجن في كل عصور الديكتاتوريات المباركية المختلفة؟

ألم تحدثه مصر عن حرجها من اعتقال الفتى السوري هشام زهير ومحاولات ترحيله إلى  سوريا مما يهدد حياته؟!

ألم تحدثه عن ماهينور، ويوسف شعبان، ولؤي القهوجي، وشوكان، و شريف العفيفي، وأسماء حمدي؟!

***
يدّعي السيسي أن مصر أبلغته أنه مفيش سبب يدعونا للخلاف، كلنا.

كيف لا نختلف؟ هل يريدنا أن نقبل أن تقترض مصر من روسيا أكبر قرض في تاريخها بقيمة 25 مليار دولار وبفائدة سنوية 3%، وإن تأخرنا 10 أيام في دفع قسط من القرض ندفع 150% زيادة؟ هل يظن الناس قد أصابهم الجنون؟  من سيدفع تلك المبالغ سوى نحن والأجيال القادمة؟ كيف يمكننا أن نصدق أنه يريد الحفاظ على مصر وهو لا يهمه إلا أن يحافظ على عرشه؟

***
يكمل حواره الهزلي: "ومصر بتقول لكم، اوعوا حد يضحك عليكم ويخدعكم يا مصريين".

وهل هناك خداع أكثر من أن يحتشد الناس في مظاهرات 30 يونيو من أجل إكمال ثورتهم "25 يناير"، فيجدوا أنهم قد اُستغلوا بعدها وأن بحارًا من الدماء قد أغرفت البلاد في مجزرتي رابعة العدوية والنهضة، وقبلهما أحداث المنصة؟
هل هناك خداع وكذب أكثر من أن تسجن أبناء يناير وأن تدّعي أنك تؤمن ب"يناير" ومبادئها؟

***
اختتمت مصر السيسي رسالتها بأبيات شعر كتبتها وهي تتمشى على كورنيش النيل وسط عوادم السيارات وتنظر إلى النيل الذي اقترب على الجفاف بعد كارثة سد النهضة: "مصر بتقول لكم مكاني مش اللي أنا فيه؛ ده مكاني مش كده، بقى أنا برده حجمي كده، بقى أنا عندكم كده، أنا متحوجش كده؛ مصر بتقول لكم أنا متحوجش، يعني مناكلش، آه مناكلش، يعني منّامش، آه منّامشِ.  

بالفعل ما يحدث لا يليق بمكانة مصر وحجمها، ففي الوقت الذي انشغل فيه سيسي مصر بصراعاته الداخلية للبقاء على كرسي الحكم أطول فترة ممكنة،  كان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بينيامين نتنياهو" قد اجتمع مع سبعة رؤساء من دول أفريقيا من بينهم دول حوض النيل.

وقال في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول إن ذلك "سيصب في إعادة بناء أغلبية لإسرائيل في المحافل الدولية؛ الأمر قد يستغرق عقداً من الزمن، لكن سننجح في تغيير أنماط التصويت في العالم لصالحنا".
أما عن مصر السيسي، فصارت لا تنظر لإسرائيل على أنها عدوة من الأساس، وصار السيسي يطالب بالسلام الدافئ مع اسرائيل في علاقة غير شرعية.

فقد صرّح السفير الإسرائيلي لدى مصر "حاييم كوهين" لأسوشيتد بريس، أن مصر وإسرائيل "تتمتعان حاليا بعلاقات قوية" وأن هناك "تفاهمًا قويا" بين الجيشين بشأن "تطور الأوضاع بالمنطقة وشبه جزيرة سيناء".

بقى أنا برده حجمي كده؟ أنا عندكم كده؟

***
أما عن الحوجة التي احتجت عليها مصر في رسالتها للسيسي؛ فليس هناك حوجة أكثرسوءًا من أن تصير مصر رمزًا للشحاتة في عهد السيسي؟
فإذا أضفنا إلى قرض الـ 25 مليار دولار من روسيا الذي ذكرناه، حصول مصر على قروض وودائع ب 4 مليارات دولار من السعودية، و4 مليارات دولار من الإمارات، و 4 مليارات دولار من الكويت، و 500 مليون دولار من عمان، 130 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، 120 مليون يورو من البنك الأوروبي. في أثناء انعقاد المؤتمر الاقتصادي، حسب تقرير لموقع البديل.

وإذا قلنا أن الحكومة وقعت اتفاقية مع البنك الدولي؛ للحصول على مليار دولار، وقرض من بنك التنمية الإفريقي، بقيمة 1.5 مليار دولار. وأن هنالك اتفاقية اقتراض بين وزارة الدفاع ومجموعة من البنوك الفرنسية، بضمان وزارة المالية، وتبلغ قيمة القرض نحو 3.375 مليارات يورو، أي ما يتجاوز 30 مليار جنيه مصري.

وإذا قلنا أن مصر حصلت علي مجموعة قروض من السعودية، منها اتفاقية قرض بقيمة 1.5 مليار دولار لتنمية سيناء. وقرض بقيمة مليار جنيه في إطار تطوير مستشفيات قصر العيني.. كما تم توقيع اتفاقية لتمويل احتياجات مصر البترولية بـ 20 مليار دولار، وتأسيس شركات سعودية جديدة برأسمال 4 مليارات قرضًا من المملكة العربية السعودية، كما حصلت مصر على قرض من بنك دبي الوطني؛ لتمويل جزء من محطتي كهرباء العاصمة الجديدة، بقيمة 2 مليار جنيه. فسنعلم عن أي حوجة تتحدث مصر في رسالتها؟ وسنعلم من الذي جعل مصر تشحذ.

الغريب أنه بعد كل هذه القروض الضخمة لا نرى من الإنجازات إلا "فنكوش كبير" فحكومة تحارب الفقراء بدلًا من محاربة الفقر، لا يمكنه أن تصنع إلا انجازات وهمية.

***
ولكي نحكم على رؤية السيسي المستقبلية للبلاد، فيكفي أنه في ظل كل الأزمات التي تمر بها البلاد، قد خاف من حسد الأشرار وأنهى خطابه قائلًا "احنا بسم الله ما شاء الله في افضل حالتنا، وتحيا مصر 3 مرات"



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة