اطمئنوا.. السجون مكيفة



سجن هالدن النرويجي




كيف حالكم فى هذا الجو الساخن؟!
تشعرون بالقرف وتلعنون الصيف؟!
تسبّون من يطفئ أجهزة التكييف ولو دقيقة واحدة؟!
كان الله فى عونكم.
ولكني أودّ أن أخبركم بأن هناك من يناضل من أجل الحصول على مساحة شبر وقبضة ليجلس وينام عليها وقتما شاء. هناك خلف القضبان التى صارت مقابر جماعية للشعب.

ولكن لا بأس؛ فوزارة الداخلية تطمئن الجميع دائمًا وتحكي لنا عن  أماكن الاحتجاز التى تعتبرها فنادق 7 نجوم؛ وعليكم أن تصدقوها.
ألم تسمعوا من قبل عن فنادق بها غرف مغلقة ليلًا ونهارًا ولا تراها الشمس؟
ألم تسمعوا عن فنادق ينام نزلائها على الأرض في أوج الشتاء وتضم كل غرفة أكثر من 40 شخصا؟!
وعن الفنادق التي يضطر نزلائها إلى تقسيم عدد ساعات النوم حتى يتمكن الجميع من النوم؟!
إن لم تسمعوا عن تلك الفنادق فما ذنب وزارة الداخلية؟!
***
الداخلية أثبتت نجاحها في أشياء عديدة (القتل، والاعتقال، والخطف، والتعذيب، والإنكار) وقد خصصت أحد أبنائها للإنكار، فإنه يستطيع أن ينكر الاختطاف كما أنكر من قبل اختطاف إسراء الطويل التى ظهرت فى إحدى السجون، و يستطيع إنكار القتل العمد كما أنكر قتل الطالب "إسلام عطيتو" ويستطيع أن يقول (معندناش خرطوش، معندناش رصاص حي) كما أن لديه القدرة على تصوير ضباط الشرطة فى هيئة ملائكة، فسمعنا تصريحات  الجهاز الإعلامي لوزارة الداخلية بأن السجون مُكيّفة وأنهم يوزعون العصائر والمرطبات على المساجين، وهذا إنجاز رائع، فعلى المسجون أن يتكيف أثناء تعذيبه، وأن يترطّب أثناء صعقه بالعصا الكهربائية، وأن يشرب العصائر بعد إصابته بمرض الجرب.
***
في مشهد اعتدنا على رؤيته بشكل متواصل، رأينا أحد أمناء الشرطة يعتدي بالضرب المبرح على شاب عشريني في محطة المترو، يضربه بكل ما استطاع من قوة ناعتًا أمه بالعاهرة، لأن ذلك الشاب اعتقد أن القانون قد وُضع ليخدمه فقرر أن يحصل على حق خطيبته التى تحرش بها أحد المتحرشين، رأينا أيضا إحدى السيدات تحاول أن تهدئ من غضب أمين الشرطة حتى لا يموت الشاب بين يديه فقالت  على استحياء: خلاص يا باشا؛ لكن الباشا نعتها أيضًا بالعاهرة، ثم قبض الباشا وعساكره على رقبة الشاب وصعدوا به سلما، فنظر الباشا  خلفه إلى الحشود التي تشاهد الضرب بصمت وقال: إيه يا ولاد العاهرة؟! ولا أعلم السبب فى إصرار الشرطة على وصف كل أمهات الشعب بالعاهرات!

أما العجيب فى الفيديو هم أولئك الخلق الذين قرروا مشاهدة الفتى والعساكر تنهال عليه ضربًا كأنهم يشاهدون فيلم قديم لعادل إمام، بالطبع هذا ليس تحريضًا على الانتقام من أمين الشرطة أو العساكر ولكني كنت أنتظر أن يحاول الناس إفلات الفتى من يد العساكر وأمين الشرطة، ومنعهم من إيذائه.
***
"إنى رأيت اليوم

فيما يرى الثائر
إن الحسين ملموم
فوق جثته عساكر
بيدغدغوه بالشوم
كل أما ييجى يقوم
وإن البشر واقفة
تبكى بدال ما تحوش!"
كلمات مصطفى إبراهيم
***
ولكن هناك شعاع نور فى هذا المشهد المحزن، فقد قرر أحدهم تصوير تلك الانتهاكات بالفيديو وخاطر بنفسه من أجل أن ينقل لنا الحقيقة، فإن مثل هذه الفيديوهات قد تسببت فى ثورات عديدة فى دول مختلفة.

*إن أكثر ما يقلق هو أن يصاب المجتمع المصرى بالتبلد تجاه الدماء وتجاه حالات التعذيب _إن لم يكن قد أصيب_ فالناس صاروا يقرأون أخبار التعذيب والقتل والاختفاء القسري كأنهم يقرأون خبر اعتزال لاعب كرة قدم، بل ربما اعتزال لاعب كرة قدم قد يثير اندهاشهم أكثر من أخبار التعذيب والقتل.

*سألتني صج بجريدة "لوموند" الفرنسية عن خبر بعنوان "مأمور قسم ثالث المحلة يصعق مواطن بمؤخرته والداخلية تخصم شهرًا من راتبه" فكانت تشك أن هناك سوء فهم فى ترجمة الخبر، ولكن للأسف لم تكن هناك سوء ترجمة، فسألت نفسي ماذا لو علمت أن نفس الضابط قد لفق قضية آداب لإحدى السيدات من قبل فخصمت الداخلية من راتبه شهرًا أيضًا؟!
***
إن فى بلادى ثورة قد اشتعلت بعد تعذيب "خالد سعيد" وقتله بأيدي الشرطة المصرية، ولكن للأسف صرنا نسمع كل يوم عن خالد سعيد جديد، فرغم وجود المادة (55) فى الدستور الحالى التى تفيد بتجريم التعذيب والإيذاء البدني والإكراه والإهانة، ولكنها ليست إلا كلمات على ورق! فلا يمكن أن ننسى المحامى كريم حمدى الذى قتل بعد تعذيبه فى قسم المطرية، و"هانى سعيد إمبابى" الذي أثبت التقرير الطبى موته بعد تعذيبه ووجود علامات تعذيب على الرقبة والوجه والصدر والبطن والركبتين، ولكن وكيل وزارة الصحة بالقليوبية الدكتور "محمد لاشين" لم يجد حرجاً من أن يكذب ويقول أن السجين مات بعد إصابته بسكتة قلبية!

أما الطالب "محمد عبدالنبى الشويخ" البالغ من العمر 22 عامًا والذي قتل فى قسم إمبابة بعد تعذيبه بعصا خشبية بمسامير أدت إلى إصابات بالغة فى الرقبة الخلفية والظهر ثم إلى الموت. ولكن أحد أمناء الشرطة أبلغ والدته أنه ابتلع "شريط مخدر" وكالعادة أنكرت الداخلية وفاته بالتعذيب وقالت فى بيان لها أن الطالب قد توفى بعد هبوط حاد فى الدورة الدموية!

كما رأينا أيضا بالأمس شهادات لأحد أهالي المعتقلين عن تعرض 7 مساجين بقسم ثان الإسماعيلية للضرب والإهانة بسبب طلبهم تهوية الزنازين التى تعرض حياتهم للخطر فى درجة الحرارة القاتلة.

*أصدر مرصد طلاب حرية تقريرًا لرصد بعض الانتهاكات التى حدثت ضد الطلاب فى العام الماضي، أفاد أن حصيلة من قتلوا من الطلاب 21 طالبا، وأن الشرطة قد اعتقلت 1409 طالب وتم إخلاء سبيل 517، ووصلت حالات الإخفاء القسري للطلاب إلى 329 منهم 11 طالبة. كما ذكر التقرير حالات تعذيب عديدة موثقة بشهادات أهالى وأصدقاء المعتقلين للاطلاع على التقرير بالكامل

***

الخوف ربما يجعل الناس أكثر طاعة لكم ولكنها طاعة لن تدوم.
وعلمنا من التاريخ أن العدل يقوى الشعوب والحكام. ولكن للأسف قد غاب العدل فى بلادى.
موضوعات متعلقة

التشريفة

عيدهم فى السجن

مبروك.. أخوك في السجن

المتهم مدان ولو ثبتت براءتها

التعذيب ليس مجانًا

ترحيلات الموت


في قسم الشرطة.. التعذيب للجميع

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة