لماذا يخشى المستبدون العلم؟

عبد الرحمن الكواكبي
مصر العربية


في كتابه الرائع "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" كتب عبدالرحمن الكواكبي فصلًا كاملًا بعنوان "الاستبداد والعلم" يكشف فيه مدى تمسك الحكام الطغاة بتعليم الجهل بين الشعوب التي يحكمونها. فمهما كان الحاكم غبيًا؛ لا بد أنه يعلم أن الجهل هو أحد الأعمدة المهمة التي تُشيّد بها قصور الظلم والطغيان؛  فيقول الكواكبي:
"لا يخفى على المستبد مهما كان غبيًا أنه لا استعباد إلا مادامت الرعية حمقاء تخبط في ظلامة الجهل".


وذكر لنا عدة نقاط مهمة تساعدنا في الإجابة على سؤال لماذا ينتهج الحكام الظالمون سياسة تجهيل الشعوب؟! منها:


1. انتشار العلم بين الناس يقلل  نسبة الظلم فيقول الكواكبي "العلم نور والظلم ظلام، ومن طبيعة النور تبديد الظلام".


فالعلم نور يطفئه ظلام الظلم أو العكس، وكلما ازداد العلم؛ قلّ الظلم وكلما ازداد الظلم قل العلم. وبهذا يصير الظالم عدوًا للعلم. إننا لا يمكن أن نسمع في بلاد متقدمة تمتلك مؤسسات تعليمية حقيقية عن الاختفاء القسري أو عن اعتقال صحافيين ومتظاهرين، أو انتهاك حرمات الجامعات واعتقال طلابها والحكم عليهم بالسجن سنوات، أو نرى الإعلام يضلل الشعب ويكذب ليلا ونهارا، وغيرها من العجائب التي لا تجدها إلا فى بلاد ساد فيها الجهل.


2. "المستبد لا يخشى من العلوم الدينية المتعلقة بالميعاد، والمختصة ما بين الإنسان وربه، لاعتقاده بأنها لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة".
بالفعل؛ الحاكم الظالم لا يخشى من خطيب الجمعة الذى يتحدث عن حرمة التدخين، أو عن كيفية الاستنجاء وحرمانية النظر إلى النساء فى التلفاز.


ولا يخشى علماء تفتي بحرمانية الخروج على الحاكم، ويتجاهلون الظلم وإراقة الدماء التي تسيل، والسجون المكتظة بالمظلومين، وربما تجدهم يبررون القتل؛ ولكن الحاكم الديكتاتور يخشى عالمًا ربما يتسبب في تنوير عقول الناس وفضح جرائمه.


يقول الكواكبى عن شيوخ السلطان "هؤلاء لا يخشى منهم الحاكم بل يستخدمهم لتضليل الناس مقابل أن يضحك عليهم بشيء من التعظيم، ويسد أفواهم بلقيمات من الاستبداد".


3. "يبغض الديكتاتور العلم لأن للعلم سلطانا أقوى من كل سلطان، فلا بد للمستبد أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علما".


لذا نجد الجهلاء يحيطون بالحكام المستبدين لأنهم يرضون كبريائهم بغبائهم وجهلهم، ولأنهم طبعا سيشعرونه بأنه العالم والطبيب والمهندس والفيلسوف، وسيتنشرون فى وسائل الإعلام يحدثونك عن إنجازات للحاكم لا مثيل لها، وسيجعلون من الوطن أضحوكة أمام العالم.
أما العلماء فأماكنهم محجوزة في السجون، ولو كانوا محظوظين فرصتهم ستكون أكبر في البلاد التي تقدر العلم، لأنهم محل إزعاج للطغاة، وسيعكرون صفوهم عندما يتقدمون بدراسة تثبت فشل هذا المشروع أو عدم جدوى ذلك وأنه من الأفضل استبدال هذا المشروع بأخر. كما أنهم يساعدون في معرفة الفرق بين مشاريع الفرقعة الإعلامية والمشاريع العملاقة، مما يؤدي حتمًا إلى صداع يصيب رأس الحاكم المستبد.


4. "المستبد يود أن تكون رعيته كالغنم درّا وطاعة، وكالكلاب تذللا".


فالحكام المستبدون يساعد فى استبدادهم مجموعة من الناس تمضي خلفهم كالغنم، تهلل له عندما ينطق بالتفاهات، تطيعه فى كل الأمور حتى الغريبة منها والتى، تتذلل له وتقبل صوره وتسجد له كأنه إله، يهتفون باسمه عندما يفشل فى كل شيء، ويقولون له نحن معك إلى أن تغرق المركب التى تقودها، نحن فداك يا قائدنا العظيم، يؤيدونه عندما يقتل. وعندما يسرقهم يقولون أنه يفعل هذا من أجل الوطن، نراهم فى كل مكان يربطون بين الوطن والحاكم، يعتقدون دائما أن الحاكم هو المنقذ والمخلص الوحيد مما هم فيه من بؤس مع أنه لا يزيدهم إلا بؤسا. الجهلاء من السهل إقناعهم بأن الكوارث إنجازات، وبأن الشباب الثائر عملاء، وبأن الكون بأكمله يتآمر على الوطن والحاكم. وهذه الصفات لا يمكن توافرها إلا فى نوعين من الناس "المنافقين والمنتفعين الذين يودون التقرب من الحاكم طمعا فى منصب ما، أو فى جهلاء لا يعرفون عن التاريخ شيئا ولا يقدسون الحرية لأنهم يخشونها". أما من يملكون العلم والعقل فيقول فيهم الكواكبى:الرّعية العاقلة المتعلمة تقيَّد وحش الاستبداد بزمام، تستميت دون بقائه في يدها؛ لتأمن من بطشه.


5. "بين الاستبداد والعلم حربًا دائمة".


فالكواكبي يرى أن الظلم والعلم متحاربان إلى يوم الدين، كما يصارع الشر والخير صراعا أبديًا، فالعلماء يسعون إلى تنوير العقول، ويجتهد المستبدُّ في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام.
ويوضح لنا الكواكبي من هم العوام؟ قائلا: "هم أولئك الذين إذا جهلوا خافوا، وإذا خافوا استسلموا".


فالجهل إذًا يؤدي إلى الخوف الذي يتمنى الحاكم المستبد بأن يبثه فى نفوس الرعية كى لا يجرؤون على مطالبته بحقوقهم، أو محاسبته على أفعاله وجرائمه، والخوف من الحاكم يؤدي إلى الاستسلام بأن هذا الحاكم لن يترك الحكم إلا بعد أن يترك الدنيا.


6. "ما انتشر نور العلم في أمةٍ قطّ إلا وتكسَّرت فيها قيود الأسر، وساء مصير المستبدّين من رؤساء سياسة أو رؤساء دين". هكذا يقول الكواكبي.
ولو انتشر العلم فمن الضروري أن تنكسر كل القيود، فيجوز مع العلم أن تنتقد الجميع، فلا رهبة من حاكم، ولا تقديس لعالم دين مهما كان علمه، فالحاكم ربما يكون خائنًا لوطنه وعالم الدين ربنا يكون فاسقًا، فمع العلم لا طاعة عمياء لهذا أو لذاك.


***


نشرت جريدة البورصة تقريرًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لترتيب الدول في التعليم بعنوان "تصنيف دول العالم من حيث التعليم.. ومصر خارج القائمة".  والمركز الأخير الذي كنا نتباهى به أمام العالم  ونحصل عليه باستمرار؛ فقدناه والحمد لله.


ناهيك عن الـ24% نسبة نجاح الثانوية الأزهرية في هذا العام، وهذا معناه أن أقل من ربع طلاب الأزهر هم من استطاعوا النجاح فقط.


ولا ننسى الطالبة المتفوقة "مريم ملاك" التي حصلت على صفر فى الثانوية العامة ظلمًا؛ مع أنها حافظت على المركز الأول في السنوات السابقة، فأرسلت لوزير التربية والتعليم تقول له "هل تخاف علي موظفيك من المسائلة القانونية؟ فلماذا لا تخاف الله، هؤلاء لن ينفعوك؟!". ولكن الوزير الذي يُعلّم الجهل لم يتحرك!


الحمد لله أن عبد الرحمن الكواكبي ليس مصريًا يعيش في وقتنا الحالي وإلا لرأينا "علي جمعة" يتهمه بأنه من الخوارج، و"أحمد موسى" يطالب باعتقاله وإعدامه، وسمعنا فتاوي أزهرية تُحرّم الحديث عن جهل الرعية واستبداد الحكام، واتهمته اللجان الإلكترونية بالعمالة والخيانة.


اقرأ أيضًا:

ألم تقل لك مصر أنك "خربتها"؟


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة